سمات الإمام الحسین علیه السلام فی كتاب اللّه تعالی
بقلم: سماحة آیة الله العظمی الصافی الکلبایکانی دام ظله الوارف
1- آیة المودة:
«قُلْ لا أسئَلُكُمْ عَلَیهِ أجّراً إلّا المَوَدَّةَ فِی القُربى»(1)
روى أحمد بن حنبل فی «المسند» و ابو نعیم الحافظ، الثعلبی، الطبرانی، الحاكم النیشابوری، الرازی، الشبراوی، ابن حجر، الزمخشری، ابن منذر، ابن ابی حاتم، ابن مردویه، السیوطی و جمع آخر من علماء اهل السنة باسانیدهم عن ابن عباس، قال: «لما نزلت هذه الآیة، قیل یا رسول اللَّه من قرابتك هؤلاء الذین وجبت علینا مودتهم؟
فقال لهم: «علی و فاطمة و ابناهما»(2)
و قد نظم فی هذا المعنى الشیخ شمس الدین ابن العربی:
رأیت ولائی آل طه فریضةً * على رغم اهل البُعد یورثنی القُربا
فما طَلَب المبعوثُ أجراً على الهدى * بتبلیغه إلّا المودّة فی القُربی
و قال الشافعی فی هذا الشأن:
یا أهل بَیتِ رسولِ اللَّه حُبُّكُم* فرضٌ من اللّهِ فی القرآنِ أنْزلَهُ
كَفاكُمُ من عَظیم القَدْر أنّكُمُ * مَنْ لم یصلِّ علیكُمْ لا صَلوة له
2- آیة التطهیر:
«إنَّما یُریدُ اللّهُ لِیُذهِبَ عَنكُم الرِّجْسَ أَهلَ البَیْتِ و یُطَهِّرَكُم تَطْهیراً»(3)
وردت احادیث متواترة و مشهورة عند الفریقین- السنة و الشیعة- فی انَّ آیة التطهیر نزلت فی مورد اجتماع أشرف شخصیات عالم التكوین، ایّ الخمسة أصحاب الكساء و الذین صلّى و دعا لهم الرسول صلى الله علیه و آله مرات متكررة فی بیته و فی بیت فاطمة الزهراء علیها السلام و فی حجرة امِّ سلمة و بعض الاماكن الاخرى، فهذه الآیة الشریفة و الأحادیث الواردة فی تفسیرها تدلُّ بوضوح على عصمة و جلالة شأن الإمام الحسین علیه السلام.
و فیما یتعلق بهذه الآیة الشریفة و احادیث الكساء و متونها، أُلِّفت كتب كثیرة، و قد نقل قسماً منها بعض الرواة مثل صبیح(4) و نقل مسلم و البغوی و الواحدی و الاوزاعی و المحب الطبری، و الترمذی و ابن الاثیر و ابن عبد البر و احمد و الحموینی و الزینی الدحلان و البیهقی و اخرون عن عائشة و ام سلمة و انس و وائلة و صبیح و عمر بن ابی سلمة و معقل بن یسار و ابی الحمراء و عطیة و ابی سعید و ام سلیم، روایات عدیدة فی هذه الواقعة الجلیلة و المنقبة العظیمة.
عن عائشة قالت: خرج النبی صلى الله علیه و آله ذات غداة و علیه مرط مرجل من شعر فجاء الحسن بن علی فادخله فیه ثمَّ جاء الحسین فأدخله فیه ثمَّ جاءت فاطمة فادخلها فیه ثم جاء علی فادخله فیه ثمَّ قال: «إنَّما یُریدُ اللّهُ لِیُذهِبَ عَنكُم الرِّجْسَ أَهلَ البَیْتِ وَ یُطهّركم تَطهیراً»
و روى الأوزاعی عن شداد بن عبد اللَّه قال: سمعت واثلة بن الاسقع و قد جىء برأس الحسین علیه السلام فلعنه رجل من اهل الشام و لعن أباه فقام واثلة و قال:
و اللَّه لا أزال أحب علیا و الحسن و الحسین و فاطمة بعد أن سمعت رسول اللَّه صلى الله علیه و آله یقول فیهم ما قال، لقد رأیتنی ذات یوم و قد جئت النبی صلى الله علیه و آله فی بیت ام سلمة فجاء الحسن فأجلسه على فخذه الیمنى و قبله ثم جاء الحسین فأجلسه على فخذه الیسرى و قبله ثم جاءت فاطمة فأجلسها بین یدیه ثم دعى بعلی ثم قال «إنَّما یُریدُ اللّهُ لِیُذهِبَ عَنكُم الرِّجْسَ أَهلَ البَیْتِ وَ یُطهّركم تَطهیراً»(5)
و روى «الدولابی» فی «الذریة الطاهرة» عن امِّ سلمة ان رسول اللَّه صلى الله علیه و آله قال لفاطمة: ائتینی بزوجك و ابنیك. فجاءت بهم و أكفأ علیهم كساءً فَدَكیّاً ثم وضع یده علیهم ثم قال: اللهمَّ إنَّ هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك و بركاتك على آل محمد انك حمید مجید.
قالت امّ سلمة: فرفعتُ الكساء لأدخل معهم فجذبهُ رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و قال:
«إنَّكِ على خَیْرٍ»(6)
و روى، الحموینی نظیر هذه الروایة عن وائلة.(7) و روى الواحدی فی اسباب النزول و أحمد فی المناقب و الطبرانی عن ابی سعید الخدری أنَّ آیة «إنَّما یُریدُ اللّهُ» نزلت فی حق خمسة اشخاص و هم: رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و علیّ و فاطمة و الحسن و الحسین علیهم السلام(8)
و روى احمد عن امِّ سلمة مثله(9) و روى مثله الواحدی(10) بسنده عن امِّ سلیم.
و هذه الاحادیث الكثیرة تدل على عصمة سید الشهداء علیه السلام و أنَّ كل عمل و نهضة تصدر عنه، إنّما هی مطابقة للصواب و الحقیقة و قد استدلّ السیوطی بهذه الآیة و قال: الكلّ یعتبر أنَّ اجماع اهل البیت علیهم السلام، حجّة، لان الخطأ رجسٌ و قد نفاه اللَّه عنهم.(11)
3- آیة المباهلة:
«فَمَن حاجَّكَ فیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنْ العِلْمِ فَقُلْ تعالَوا نَدْعُ أبنائَنا و أبنائَكم و نِسائَنا و نِسائَكُم و أنْفُسَنا و أنْفُسَكُم ثُمَّ نَبْتهلْ فَنَجعَل لَعنَةَ اللّهِ عَلى الكاذِبینِ»(12)
من جملة الآیات الدالّة على فضیلة و عُلُوّ مقام و رتبة سیّد الشهداء علیه السلام و باتفاق المسلمین هی آیة المباهلة الشریفة.
و تعدُّ قضیة المباهلة بین النبی صلى الله علیه و آله و نصارى نجران من أوضح مظاهر و دلائل قوة ایمان النبی الأكرم صلى الله علیه و آله و تمسكه و اعتقاده برسالته، اذ أنَّ الدعوة الى المباهلة من قبله علیه السلام اذا لم تكن مقرونة بایمانه الراسخ بدعوته، لكانت انتحاراً حقیقیاً و سنداً مهماً بیَدِ أعدائه لإبطال رسالته.
إذ إنَّ الأمر لم یكن لیخلو من احدى نتیجتین، إمّا ان یستجاب دعاء النصارى بانزال اللعنة الإلهیة على جانب النبی الاكرم صلى الله علیه و آله و إمّا ان لا یستجاب دعاء كلا الجانبین، و فی كلتا الحالتین تبطل دعوى الرسول الكریم صلى الله علیه و آله، و لم نعهد عاقلًا إدّعى النبوّة قد اقترح مثل هذا الاقتراح و التحدی الّا اذا كان على یقین و اطمئنان تامَّین من استجابه دعائه فی هلاك اعدائه، و قد كان النبی محمد صلى الله علیه و آله حاملًا لمثل هذا الیقین، و لذا قام بكل جرأة و شجاعة بمثل هذا الاقتراح، و هذا الثبات و الطمأنینة هو الذی أجبر خصمه على الانسحاب.
كما ان إشراك الإمام علیّ و الحسن و الحسین و فاطمة الزهراء علیهم السلام فی المباهلة بامرٍ من اللَّه تعالى، لخیرُ دلیل على أنَّ هؤلاء النفر الأربعة هم خیرُ خلق اللَّه تعالى و أعزَّ الناس على قلب رسول اللَّه صلى الله علیه و آله.
أجل، لقد كانت آیة المباهلة اعلان جلالة و مقام هؤلاء الأطهار و قربهم من اللَّه تعالى و من ثمَّ كانت هذه الفضیلة واحدةً من أهمّ فضائل الإمام الحسینحیث إنتخب من بین كلِّ الامة الإسلامیة، اطفالها و شبّانها و شیوخها رجالًا و نساءاً، لیكون أحد دعائم هذه القضیة التاریخیة و المنعطف العقائدی الخطیر، بمعیة أُمّه و أبیه و أخیه.
و فی الوقت الذی نجد أنفسنا فی غنىً عن ذكر المصادر و المراجع التی نقلت هذه الحادثة لكبار مفسری و محدثی و مورخی المسلمین الّا انّنا سنذكر طرفاً منها لیراجعها من أراد الوقوف على المزید من حقائقها: تفسیر الطبری، البیضاوی، النیشابوری، الكشاف، الدر المنثور، اسباب النزول للواحدی، الاكلیل للسیوطی، مصابیح السُنَّة، سُنن الترمذی و كتب اخرى.
مصادر:
[1] . سورة الشورى، الآیة 23.
2 . احیاء الموات ج 2، الاتحاف ص 5، الصواعق ص 168، الاكلیل ص 191، الغدیر ج 2 ص 307، خصائص الوحی المبین ف 5 ص 55- 52، ابن بطریق ف 9 ص 25- 23.
3 . سورة الأحزاب آیة 33.
4 . اسد الغابة ج 13 ص 11. الاصابةج 2 ص 175- 33- 4.
5 . اسد الغابة ج 2 ص 20.
6 . ذخائر العقبى ص 24. العمدة ف 9 ص 25. و نقل فی الفصل 8 صفحة 22- 15 و فصول اخرى احادیث كثیرة عن اهل السنة فی اجتماع هؤلاء الخمسة المصطفین.
7 . فرائد السمطین ج 1 ص 24.
8 . ذخائر العقبى ص 24. و ذكر فیه طرق هذا الحدیث فی الصفحات 24- 21. اسباب النزول ص 267.
9. السیرة النبویة ج 3 ص 366.
10. اسباب النزول ص 267.
11. الأكلیل ص 178؛ و لا یخفى ان أسانید هذا الحدیث فی الكتب الشیعیة كثیرة جداً، و قد رُوی متن بعض هذه الأحادیث بنحو مفصل مثل حدیث الكساء».
12. سورة آل عمران، الآیة 61.