السیّد عبد العظیم علیه السلام یَعرضُ دینَه على الامام علی الهادی علیه السلام
من كتاب: لمحات فى الكتاب و الحدیث و المذهب للشیخ المرجع الصافی؛ ج3 ؛ صــ 169- ص 175
من جملة الشخصیات المرموقة الكبیرة التی عرضت دینها على إمام زمانها هو السید أبو القاسم عبد العظیم بن عبد اللَّه بن علیّ بن الحسن بن زید بن السبط الأكبر الإمام أبی محمد الحسن المجتبى، ابن الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام.
هذا السید الجلیل من أعاظم ذرّیة رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و أولاد المرتضى و البتول علیهم السلام، و من أجلَّة معارف علماء أهل البیت و من كبار أصحاب الإمامین الجواد و الهادی علیهما السلام، و من محارم أسرار الأئمة علیهم السلام، و یظهر أنَّه كان من أصحاب الإمام الرضا علیه السلام-/ كما یقول بعض علماء الرجال-/ بمقتضى كونه من نفس الطبقة فی سلسلة النسب إلى حضرة أمیر المؤمنین و سیدة نساء العالمین الزهراء البتول علیهما السلام.
و السید عبد العظیم الحسنی و إن لم یدرك عصر إمامة الإمام الحسن العسكری علیه السلام، كما سیاتی فی الروایة، و لكن یقوى الاحتمال بدرك خدمته علیه السلام قبل إمامته.
و أمّا الروایة الدالة على فضل زیارة السید عبد العظیم، و وفاته فی عصر إمامة الهادی علیه السلام فهی الروایة التی نقلها الصدوق فی ثواب الأعمال بسندٍ عن شخص تشرَّف بحضرة الإمام الهادی علیه السلام فسأله الإمام علیه السلام قائلًا:
« أین كُنْت؟ » قال: « زُرتُ الحسین علیه السلام » فقال الإمام الهادی علیه السلام: « أما إنَّكَ لَوْ زُرتَ قَبرَ عبد العظیم عنْدَكُم لكُنتَ كَمَنْ زارَ الحُسَین بنَ علی علیه السلام »[1].
و من جملة الروایات الدالة على فضل و علم هذا الشریف الجلیل، الروایة المرویة عن الإمام الهادی علیه السلام حیث یقول لأحد شیعة الرّی:
« إذا أشْكلَ علیك شیءٌ من أمرِ دینك بناصیتك فَسَلْ عَنهُ عبدَ العظیم بن عبد اللَّه الحَسَنی و إقرأهُ منّی السّلام »[2].
و یُعلم من قضیة عرض دین مثل هذه الشخصیة الجلیلة، أهمیَّة تصحیح العقائد، أعم من ما یجب الاعتقاد به أو أكثر من ذلك و أبعد.
و ما یجب الاعتقاد به أُمور یجب الاعتقاد بها-/ بحسب إرشادات الكتاب و السنَّة-/ بمفهومها و تعریفها الوارد فی الكتاب و السنة لیصح إطلاق لفظ المسلم و المؤمن على المعتقد بها.
و ما هو أبعد من الواجب، و هو ما لا یضر عدم الالتفات و الاعتقاد به، بإسلام و إیمان الإنسان، و لكن الاعتقاد بها بعنوان الامور الدینیة، أیضاً یجب أن یكون بدلیل معتبر من الكتاب و السنة، كما إنَّ عدم الاعتقاد بها مع وجود الدلیل علیها من الكتاب و السنّة و الالتفات إلى ذلك الدلیل، یُعدُّ من عدم الإیمان بالنبوّة.
و على هذا، یجب على كل مسلم أن یُحرز مطابقة عقائده مع الكتاب و السنّة، و بهذا الترتیب:
أوّلًا: أن یعرف ما وجب شرعاً الاعتقاد سلباً أو إیجاباً به.
ثانیاً: أن یحرز مطابقة معتقداته مع ما عرفه.
ثالثاً: أن یعرض معتقداته فی المسائل الاخرى بالمعنى الذی ذكرنا من عدم لزوم الاعتقاد بها، على الكتاب و السُنَّة.
رابعاً: أن لا یحمل الكتاب و السنة على ما یعتقده بدون قرینة عقلیة أو شرعیة واضحة للعُرف بلا إشكال و لا خلاف فی قرینیَّتها، فمن أراد التحصُّن من التعرّض للضلالة و الانحراف علیه أن یطبّق هذا الترتیب لیطمئن من رضى اللَّه تعالى عن معتقداته، و لا طریق سوى القرآن و السنة لضمان السلامة من الوقوع فی خطر الضلالة و البدعة و الانحراف.
فإذا كان مثل السید الجلیل عبد العظیم الحسنی علیه السلام مع ما أُوتی من علم وإطلاع بالكتاب و السنَّة، و تألیف كتاب خطب أمیر المؤمنین علیه السلام، و أنّه كان یحمل من المعتقدات الجزمیة القطعیة، یرى ضرورة عرض عقائده على حضرة الإمام علیه السلام لیحصل على تصدیق الإمام علیه السلام لتلك المعتقدات و ذلك الدین.
فالآخرون- و خاصة أمثالی أنا- ینبغی علیهم بالأولویّة المبادرة إلى عرض دینهم لكسب الإطمئنان بالموافقة، بل علیهم تكرار العرض على أكثر من طرف من علماء القرآن و الحدیث و معارف أهل البیت علیهم السلام والذین استقوا علومهم من الأئمة علیهم السلام.
فلابدَّ إذن، و بكل تواضع و خضوع، أن نعرض معتقداتنا على الخبراء المعتمدین و العلماء بالصحیح و السقیم و الكامل و الناقص منها.
أدب و أخلاق كریمة
فی قضیة عَرض الدین للسید الشریف الجلیل عبد العظیم الحسنی علیه السلام، نكتةٌ أدبیّة أخلاقیة مهمة ینبغی تعلّمها، ألا و هی عدم الاغترار بالعلم و المقام العلمی، و التواضع فی سبیل نیل المكارم. فالغرور آفة خطیرة تهدّد شجرة الإنسانیة و تمنع من رُقیّ الإنسان و نیل الكمالات، و من أخطر أنواع الغرور هو الاغترار بالعلم و العقل و الفهم، فلابدَّ من الحذر منه و تهذیب النفس و تخلیتها من هذا المرض.
و لذا، فإنّ الأعاظم و تلامذة مدرسة أهل بیت الوحی و النبوّة الذین وصلوا إلى مقام الإنسانیة، كلَّما إزدادوا علماً و دركاً للحقائق، إزدادوا خضوعاً و تواضعاً قِبال أساتذتهم و مربّیهم، و ابتعدوا عن العناد و التعنّت، و باصطلاح الفقهاء، لا یتسرّعون فی الفتوى، فهؤلاء یعرفون تماماً أنَّ رفع أیِّ جَهل یوجبُ الالتفات إلى جهلٍ بمجهولاتٍ و مجهولات، و إنَّ كلَّ جوابٍ یحصلون علیه سیكون مصدراً لأسئلةٍ و أسئلة.
و لذا، فإنّك لو سألت من شخص قلیل المعرفة عمّا یعرفه عن الإنسان أو الحیوان أو الشجرة أو الشمس و القمر و حقیقة الحیاة و أُمور اخرى، فإنّه و بلا تأمل و تفكیر سیدّعی أنَّه یعرف كل شیء عنها، لكنّك لو سألت عالماً قضى عمره فی الفنون المختلفة للمعرفة و مجالات العلم، عن هذه الامور التی هی مظاهر لقدرة اللَّه تعالى، فإنّه سیجیب قائلًا: للأسف إنَّ أكثر هذه الأشیاء لازالت مجهولة لدینا. فنفس هذه الإدراك دلیل على وصول هذا العالم إلى أوج معرفته و إلى سعة أفق علمه و فكره، تلك المعرفة التی یفتقدها الشخص المسؤول الأوَّل، و السید عبد العظیم الحسنی علیه السلام، مع كثرة دركه للحقائق و العلوم و المعرفة، نجده یتقدم بكل تواضع و یجلس متأدّباً بین یدی إمام زمانه و یعرض علیه دینه بلا تكبّر و لا غرور.
نقطة أُخرى:
و هنا صفة ممتازة أُخرى و أدبٌ یضاف إلى أدب هذا السیّد الجلیل فی هذه القضیة، و هی صفة التسلیم و القبول من الإمام علیه السلام بلا أیِّ إعتراض أو تشكیك، و هذا درسٌ لابدَّ أن نتعلّمه جیداً فی مقابل مقام الولایة و الإمامة و بین یَدی حجة اللَّه، فعلى المؤمن أنْ یُذعن للحق و یقبله بلا تغطرس و عناد، و هذا شعبة من «إنصافُ النّاسِ مِنْ نَفسِك»[3] و هو أحد أصعب الأعمال الجلیلة و الفضائل
الممتازة الثلاث التی وردت فی الحدیث، و التی لا یقوى كل واحدٍ على الاستمرار فی میدان السبق عندها.
إنَّ السید عبد العظیم الحسنی علیه السلام ینتسب إلى الإمامین الهُمامین الحسنین علیهما السلام و هو أقرب فی سلسلة النسب إلیهما من الإمام الهادی علیه السلام بواسطتین، إذ أنَّ الإمام علی الهادی ینتهی نسبه إلى الإمام سید الشهداء الحسین علیه السلام بستة وسائط، فهو فی عمود النسب، السابع من ولد الحسین علیه السلام و الثامن من ولد أمیر المؤمنین علیه السلام و فاطمة الزهراء علیها السلام، و أمّا السید عبد العظیم فهو ینتهی إلى الإمام الحسن المجتبى بأربعة وسائل فقط.
ففی عمود النسب: یعتبر الخامس من ولد الإمام الحسن المجتبى علیه السلام والسادس من ولد أمیر المؤمنین و فاطمة الزهراء علیهما السلام، و مع هذا نجده متأدّباً بین یدی حجة اللَّه و صاحب الولایة، متواضعاً فی أخذ المعارف و العلوم من أهل البیت علیهم السلام، فنفس هذا الأدب و عرض دینه على الإمام الهادی علیه السلام دلیل باهر على كمال معرفته و جلالة قدره و إحكام اعتقاده بولایة و إمامة علی الهادی علیه السلام، مع أنّه الأقرب فی سلسلة النسب إلى رسول اللَّه و أمیر المؤمنین و فاطمة الزهراء علیهم السلام من الإمام الهادی علیه السلام، و لكنه و لعمق معرفته، كان یعی تماماً أنَّ الوقوف فی وجه مقام الولایة و الإمامة و الحجّة هو محوٌ وفناء، و أنَّ الإیمان بالولایة یقتضی رعایة أعلى درجات التواضع و الأدب و التسلیم و الإطاعة، فهو لا یعتبر نفسه رقماً فی قبال وجود الإمام الهادی علیه السلام و هو حجّة اللَّه على الناس.
و قد عُرفَ مثل هذا التواضع و الأدب عن السید الجلیل علیِّ بن جعفر علیه السلام و هو من مشاهیر و أعاظم علماء و محدّثی أهل البیت علیهم السلام و صاحب تألیفات و
آثار مهمة، فلقد كان تام الانقیاد و التسلیم للإمام أبی جعفر الجواد علیه السلام، مع أنَّ علی بن جعفر هو عمُّ أب الإمام الجواد علیه السلام و أنَّهُ ینتسب إلى الإمام الحسین علیه السلام بثلاث وسائط، بینما ینتسب الإمام الجواد علیه السلام بخمس وسائط إلى الإمام الحسین علیه السلام، و كان علیّ بن جعفر شیخاً كبیراً و لم یكن الإمام الجواد علیه السلام قد تجاوز مرحلة الصبى و الشباب، و مع ذلك كان هذا السید الجلیل یظهر كمال الأدب و الاحترام و یقبِّل یَد الإمام الجواد علیه السلام.
[1] ( 1) ثواب الأعمال للصدوق: 99، كامل الزیارات: باب 107، ص 537.
[2] ( 2) مستدرك الوسائل، كتاب القاضی-/ باب حكم التوقّف و الاحتیاط فی القضاء و الفتوى و العلم ج 17 ص 321 ح 32 الرقم 21470.
[3] ( 1) وسائل الشیعة، كتاب الجهاد، باب وجوب اجتناب المحارم: ج 11 ص 20 ح 4387 و ج 15 ص 255.