شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

فی محلّ البداء

 

المبحث الخامس: لا یخفى علیك أنّ محلّ البداء بمعناه المعقول المستفاد من الكتاب والسنّة لیس جمیع الاُمور، حیث إنّ الحوادث ـ كما دلّ علیه العقل والنقل ـ لیست کلّها موقوفة غیر محتومة، بل بعضها محتوم، وبعضها ممّا هو مكتوب فی لوح المحو والإثبات، موقوفٌ على أمر من الاُمور كالدعاء والصدقة؛ وبعبارة اُخرى: کلّ ما یحدث فی العالم وما یعرضه من الحالات والعوارض إمّا یكون بأمر الله‏ تعالى محتوم الوقوع لیس وجوده أو عدمه أو طروّ حالة علیه مثل عروض زیادة أو نقص موقوفاً على أمر من الاُمور وشأن من الشؤون، أو لا یكون كذلك، بل لوجوده أو فنائه أو طروّ حالة علیه، صورتان: طبیعیة، وهی ما یقتضیها طبع الكائن، وغیر طبیعیة، وهی ما یمنع طبع الكائن عن التأثیر مطلقاً، أو یؤخّر أو یقدّمه، فمثلاً یمكن أن یقال: إنّ لبعض أفراد الإنسان بحسب القضاء الإلهی أو بحسب طبعه واستعداد مزاجه اقتضاء أن یعیش إلی تسعین سنة فلا یعیش أزید من ذلك، إلّا أنّ له أجل آخر بل

 

مدّة اُخری قبل ذلك، فیموت به فی ستّین مثلاً لأمر من المرض وغیره، فإن وصل الرحم أو تصدّق بصدقة یؤخّر موته به، وكذلك قطع الرحم یعجّل فناءه قبل الستّین، واستمرار بقائه إلی تسعین بالنسبة إلی کلّ سنة وکلّ  یوم یمكن أن یكون فی علمه تعالى معرضاً لخطرات وهجوم ما یقطع حبل عمره، ویدفع کلّ ذلك بمثل الدعاء والصدقة، وکلّ ما یدفع البلاء من ترك الذنوب وغیره، كما یمكن أن یعجّل ذلك أیضاً بالذنوب الجالبة للبلیّات.

ویمكن أن یكون الشخص بسبب حالة أو حالات كثیرة مورداً لاُمور محتومة، وبحسب حالات كثیرة اُخرى مورداً لاُمور موقوفة، لا یعلم تفاصیل ذلك إلّا الله‏ تعالى، ولیس علینا إلّا الإیمان والتسلیم والاعتقاد بالبداء إجمالاً لا نعرف المحتوم من الموقوف إلّا بإخبار الله‏ تعالى وأنبیائه وأولیائه، وفی موارد غیر قلیلة ربّما یعرف الموقوف من المحتوم بالمنامات الصادقة، وما یظهر لنا فی الوقائع بالأمارات والقرائن.

هذا، وکلّ ذلك ـ كما حقّقناه وذكرناه مراراً ـ لا ینافی علمه تعالى بما تصیر إلیه الاُمور، وما یحصل شرطه وما لا یحصل، وما هو محتوم لیس مشـروطاً بشـیء لكیفیّات وجود الأشیاء وخلقها وشرائطه، وجمیع ما هو مرتبط بها معلومة لله تعالى من الأزل، كما لا ینافی علمه بکلّ هذه

 

الاُمور وقوع البداء فیها.

ویمكن أن یقال والله‏ أعلم به: إنّ البداء یقع فی قدر الله‏ تعالى دون قضائه، فما قدّر الله‏ من تأثیر الأشیاء وخواصّها وآثارها وكونها أسباباً لمسبّبات خاصّة لیس محتوم الوقوع، بل یمحو أثر بعضها ببعض الاُمور المادّیّة الّتی یستند فی الإنسان محوه به لا نسهو بذلك التأثیر والتأثّر، والغیر المادّیّة كالدعاء والتوکّل وصلة الرحم، فالبداء فی هذه الاُمور معناه أمران: أحدهما: أنّ ما قدّر من الآثار والتأثیرات للأشیاء لا یجب أن یحقّق مطلقاً، بل یمكن أن یمنعه تقدیر الله‏ الآخر، وما قدّر من الأثر شیء آخر من الاُمور المادیّة أو غیرها كصلة الرحم والدعاء، ولا ینافی علمه أزلاً بما ینتهی إلیه ذلك التقدیرات المقدّرة.

وثانیهما: أنّ الله‏ تعالى یمنع من هذه المقدّرات، فیجعل مثلاً النار  الّتی من شأنها الإحراق بتقدیر الله‏  على عبده برداً وسلاماً، ویمنع تأثیر السیف والحدید على مولانا الرضا×، ویدفع البلاء عن عبده بالدعاء، وهذا بخلاف ما تعلّق به قضاؤه تعالى، فإنّه یقع لا محالة، وکلّ ذلك من شؤون قدرته وحكمته، والله‏ هو العالم بحقائق الاُمور.

 

 

 

موضوع: 
نويسنده: 
مترجم: 
کليد واژه: